نزار قباني.. ذكريات.. حب.. حرية!

علمني حبك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة، أبكي بين ذراعيها مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي كشظايا البلور المكسور
..............

بهذه الكلمات كنت أتسلى مع صديقتي كل يوم أثناء طريق عودتنا الطويل من المدرسة التي توجد في القرية المجاورة لقريتنا الصغيرة..

وعلى طول هذا الطريق عبر سنوات ثلاث (هي سنوات دراستي الإعدادية بكل ما تحملها من براءة وطفولة وأحلام رومانسية)، كنا نتغنى بهذه الكلمات التي سمعناها وقتها بصوت كاظم الساهر والتي لم تفارق أذهاننا حتى الآن فحفظنا كلماتها كلمة كلمة رغم أننا لم نفكر أبدا في كاتب هذه الكلمات.

وقتها لم يكن أي منا يهتم بكاتب الكلمات فيكفي أن نرى صورة المطرب ونسمع صوته أو نكتفي بأي منهما في حالة وجود عطل لنعرف أغانيه، وبعد سنوات قليلة وبالتحديد في المرحلة الثانوية وبالتزامن مع أحلام ثانوي وفضفضة سن المراهقة عرفت أنها من كلمات شاعر سوري يسمى نزار قباني..

المرأة.. الوطن.. الجسد!

ولأن اسمه وأشعاره وحكاياته كانت مشوقة بالقدر الكافي، فقد أخذت من يومها أبحث وأفتش عن هذا الرجل الذي عبر بهذه الطريقة الرائعة عن حبه وعشقه وتقديره لمن يحب..!

في أشعار نزار وكتاباته، هناك علاقة غريبة يغزلها بفن متقن، بين المرأة والوطن، هو نفسه يدرك ذلك جيدا، ويقولها في كلماته وحواراته..

نزار يقول أن المرأة هي الوطن، وأن الحفاظ على المرأة، أيا كانت (أم، أخت، بنت، زوجة) هو الخطوة الأولى للحفاظ على الوطن، ورغم شرقية الفكرة وأصالتها، وإيحائها أنها تصدر من رجل شرقي يحترم المرأة ويقدسها، إلا أن أشعار نزار كلها جاءت مليئة بما تعتبره سيدات المجتمع الشرقي إباحية وخروج عن الاحترام الذي تستحقه..

ومحاولات فهم شعر نزار وأفكاره كثيرة، لكنها كلها تبدو وكأنها عاجزة عن فهم السر الحقيقي لهذا الرجل، لكنني رغم ذلك أجدني أتقبله بكل سلبياته، عسى أن أفهم يوما السر بين مثلث نزار السحري.. المرأة.. والوطن.. والجسد!

ولذلك عبر سنوات دراستي الجامعية، بدأت أعرف الطريق إلى دواوين وأشعار نزار وجمعتها، ومع كل قصيدة جديدة أقرأها أتمنى أن أجد رجل يعشقني كما عشق نزار محبوبته، ويحترمني كما فعل نزار مع أخته، ويرثيني بعد موتي كما فعل مع بلقيس زوجته بعد رحيلها.

وفي مثل هذا اليوم 30 أبريل، ولكن منذ ثماني سنوات رحل نزار عن الدنيا، رحل ولكنه ترك وراءه قصائد لا تحصى عن هموم هذا الوطن الجريح ووصف لا ينسى لمشاعر عاشق عرف لغة المرأة فخاطبها ووصل إلى أعماقها.. ولذلك أبدا لن ننساك

نزار قباني (1923-1998):

شاعر سوري اشتهر بأعماله الرومانسية والسياسية الجريئة. تميزت قصائده بلغة سهلة وجدت بسرعة ملايين القراء في أنحاء العالم العربي. ولد نزار من عائلة دمشقية، درس القانون في جامعة دمشق وتخرج عام 1945. عمل سفيراً لسوريا في مصر وتركيا وبريطانيا والصين وإسبانيا قبل أن يتقاعد عام 1966. انتقل إلى بيروت (لبنان) حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم "منشورات نزار قباني". بدأ أولاً بكتابة الشعر التقليدي ثم انتقل إلى الشعر العمودي، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. كان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته، وتناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة. تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. وكان ديوان "قصائد من نزار قباني" الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة "خبز وحشيش وقمر" التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. تميز قباني أيضاً بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية "هوامش على دفتر النكسة" 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة حزيران. من أهم أعماله "حبيبتي" (1961)، "الرسم بالكلمات" (1966) و"قصائد حب عربية" (1993).

حُبلى

لا تَمْتَقِعْ !

هي كِلْمَةٌ عَجْلى

إنّي لأَشعُرُ أنّني حُبلى ..

وصرختَ كالمسلوعِ بي .. " كَلاّ " ..

سنُمَزِّقُ الطفلا ..

وأخذْتَ تشتِمُني ..

وأردْتَ تطردُني ..

لا شيءَ يُدهِشُني ..

فلقد عرفتُكَ دائماً نَذْلا ..
*
وبعثتَ بالخَدَّامِ يدفعُني ..

في وحشةِ الدربِ

يا مَنْ زَرَعتَ العارَ في صُلبي

وكسرتَ لي قلبي ..

ليقولَ لي :

" مولايَ ليسَ هُنا .. "

مولاهُ ألفُ هُنا ..

لكنَّهُ جَبُنا ..

لمّا تأكّدَ أنّني حُبلى .

*

ماذا ؟ أتبصِقُني

والقيءُ في حَلقي يدمِّرُني

وأصابعُ الغَثَيانِ تخنقُني ..

ووريثُكَ المشؤومُ في بَدَني

والعارُ يسحقُني ..

وحقيقةٌ سوداءُ .. تملؤني

هي أنّني حُبلى ..

*

ليراتُكَ الخمسون ..

تُضحكُني ..

لمَن النقودُ .. لِمَنْ ؟

لتُجهِضَني ؟

لتخيطَ لي كَفَني ؟

هذا إذَنْ ثَمَني ؟

ثمنُ الوَفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ ..

أنا لم أجِئكَ لِمالِكَ النتِنِ ..

" شكراً .. "

سأُسقِطُ ذلكَ الحَمْلا

أنا لا أريدُ لهُ أباً نَذْلا ..

جزاك الله خيرا واكثر من امثالك
تسسسسسسسسسلم يا ريس
والله مجهود رائع